حكاية الحاج محمود العربي .. الـ ـملياردير الذي بدأ حياته بـ40 قرشاً !
رجل أعمال عصامي بدأ من الصفر
، وبعد رحلة كفاح ومثابرة أصبح واحداً من كبار رجال التجارة والصناعة والاقتصاد في مصر، رجل شديد التواضع، لم يغتر بالـ ـمناصب التي تقلدها، ورفض الوجاهة السياسية التي عرضت عليه، إيماناً منه بان للاقتصاد رجاله، وأن للسياسة رجالها، ورغم حظه القليل من التعليم إلا انه استطاع أن يبني قلعة صناعية كبرى ويبلغ مكانة اقتصادية رفيعة، دون مساندة من أحد ودون أن يحصل على قروض من البنوك، فكان خير قدوة لكل طامح في النجاح.
إنه
محمود العربي رئيس “اتحاد الغرف التجارية” السابق
، وصاحب محلات ومصانع “توشيبا العربي”،
وشاهبندر تجار مصر عن جدارة.
ولد العربي عام 1932م في أسرة ريفية فقيرة بقرية
ولد العربي عام 1932م في أسرة ريفية فقيرة بقرية “أبو رقبة” بمـ ـركز “أشمون” في محافظة الـ ـمنوفية، توفي والده وهو في سن صغير، انتقل بعدها إلى القاهرة، ليعمل بائعا في محل صغير لبيع الأدوات الـ ـمكتبية وعمـ ـره لم يتجاوز العاشـ ـرة، وفى عام 1954 التحق بالخد مة العسكرية لمدة ثلاث سنوات.
بدأت علاقة العربي بالصناعة
بدأت علاقة العربي بالصناعة بإنشاء مصنع صغير للألوان والأحبار، ثم قام بتحويل مجال عمله من تجارة الأدوات الـ ـمكتبية إلى تجارة وصناعة الأجهزة الكهربائية،
وسافر إلى اليابان للحصول على توكيل من إحدى الشـ ـركات الكبرى في صناعة الالكترونيات،
وبعد عودته أنشأ مصنعا، ودخل انتخابات “الغرف التجارية” ليصبح رئيسا لها لمدة 12 عاما، واتجه إلى السياسة لفترة قصيرة، عند ما أصبح نائبا في مجلس الشعب “البرلمان” عن دائرتي السيدة زينب وقصر النيل، في تجربة وحيدة رفض أن يكررها بعد ذلك.
ويفتخر الحاج محمود العربي بأنه ولد لأسرة فقيرة لم تكن تمتلك أي شبر من الأرض
، وكل ما استطاعت أن تقد مه الأسرة لابنها هو إلحاقه بـ “كتاب القرية” عند ما بلغ من العمـ ـر 3 سنوات،
بدأ العربي التجارة في سن صغير جدا بالتعاون مع أخيه الأكبر
، الذي كان يعمل بالقاهرة، وعن تلك الفترة يقول العربي: “كنت أوفر مبلغ 30 أو40 قرشا سنويا أعطيها لأخي لكي يأتي لي ببضاعة من القاهرة قبل عيد الفطر، وكانت هذه البضاعة عبارة عن ألعاب نارية وبالونات، وكنت أفترشها على “الـ ـمصطبة” أمام منزلنا لأبيعها لأقراني وأكسب فيها حوالي 15 قرشا، وبعد ذلك أعطى كل ما جمعته لأخي ليأتي لي ببضاعة مشابهة في عيد الأضحى، وبقيت على هذا الـ ـمنوال حتى بلغت العاشـ ـرة، حيث أشار أخي على والدي أن أسافر إلى القاهرة للعمل بمصنع روائح وعطور وكان ذلك في عام 1942م ، وعملت به لمدة شهر واحد وتركته لأني لا أحب الأماكن الـ ـمغلقة والعمل الروتيني”.
بعد ذلك انتقل العربي للعمل بمحل بحي الحسين
وكان راتبه 120 قرشا في الشهر، واستمـ ـر في هذا الـ ـمحل حتى عام 1949 ووصل راتبه إلي 320 قرشا، بعدها فضل العمل في “محل جملة” بدلا من الـ ـمحل “القطاعي” لتنمية خبرته بالتجارة وكان أول راتب يتقاضاه في الـ ـمحل الجديد 4 جنيهات وعمل فيه لمدة 15 عاما، ارتفع خلالها راتبه إلى 27 جنيها، وكان مبلغا كبيرا آنذاك حيث تمكن من دفع تكاليف الزواج.
وفي عام 1963م سعى العربي للاستقلال بنفسه في التجارة
، لكن لم يكن لديه ما يبدأ به، ففكر هو وزميل له بنفس العمل، أن يتشاركا مع شخص ثري، على أن تكون مساهمته هو وصاحبه بمجهودهما، بينما يساهم الطرف الثاني بأمواله، وكان رأس مال الـ ـمشـ ـروع 5 آلاف جنيه، وهكذا أصبح لديه أول محل بمنطقة “الـ ـموسكي” بالقاهرة، والذي مازال محتفظا به حتى الآن.
بعد أن بدأ العربي عمله الجديد بثلاثة أيام فقط مـ ـرض صاحبه وشـ ـريكه لمدة عامين، أدار خلالها الـ ـمحل بمفرده ونمت تجارته بسرعة كبيرة فحقق محله أرباحاً تفوق أرباح 10 محلات مجتمعة واشتهر العربي بأمانته وهي سر نجاحه منقطع النظير.
واستمـ ـرت الشـ ـراكة عامين، ولكن تخللها خلاف حول إخراج الشـ ـريك الثالث الـ ـمـ ـريض، وهو ما اعترض عليه العربي، وفي النهاية فضت الشـ ـركة، وكان الـ ـمحل من نصيب الشـ ـريكين الآخرين، واشتري العربي وشـ ـريكه محلا آخر، وعاد الشـ ـركاء القدامى ليعرضوا عليه محلهم مـ ـرة أخرى، وبذلك أصبح يمتلك محلين بدلا منذ محل واحد ومعه أبناء شـ ـريكه الـ ـمـ ـريض، ثم جاء بإخوته جميعا ليعملوا معه، بعد أن توسعت تجارته، ونجحت الشـ ـركة وحولها إلى “شـ ـركة مساهمة”.
كانت تجارة العربي تقوم أساسا على الأدوات الـ ـمكتبية والـ ـمدرسية، ولكن الحكومة قررت في الستينات صرف الـ ـمستلزمات الـ ـمدرسية للتلاميذ بالـ ـمجان، وهو ما يعني أن تجارة العربي لم يعد لها وجود، فاستعاض عنها بتجارة الأجهزة الكهربية، خاصة أجهزة التليفزيون والراديو والكاسيت، وحول العربي تجارته بالكامل إلى الأجهزة الكهربائية في منتصف السبعينات مع انطلاق سياسة “الانفتاح الاقتصادي”، وفكر في الحصول على توكيل لإحدى الشـ ـركات العالـ ـمية، لكن وجود الأدوات الـ ـمكتبية في محلاته كان يقف حائلا دون ذلك، إلى أن تعرف على أحد اليابانيين الدارسين “بالجامعة الأمـ ـريكية” بالقاهرة، وكان دائم التردد على محلاته، وكان هذا الشخص الياباني يعمل لدى شـ ـركة “توشيبا” اليابانية، فكتب تقريرا لشـ ـركته، أكد فيه أن العربي هو أصلح من يمثل توشيبا في مصر، فوافقت الشـ ـركة على منحه التوكيل.
وفي عام 1975م زار العربي اليابان، ورأى مصانع الشـ ـركة التي حصل على توكيلها، وطلب من الـ ـمسؤولين فيها إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر وهو ما تم فعلا، على أن يكون الـ ـمكون الـ ـمحلي من الإنتاج 40% رفعت لاحقا إلى 60% ثم 65% حتى وصلت إلى 95%، ومع تطور الإنتاج أنشأ شـ ـركة “توشيبا العربي” عام 1978م.
وفي عام 1980م انتخب العربي عضوا بمجلس إدارة “غرفة القاهرة”، واختير أمينا للصندوق، ثم انتخبت رئيسا “لاتحاد الغرف التجارية” عام 1995م.
“السياسة مضيعة للوقت”
أما عن أسباب عزوفه عن عالـ ـم السياسة فيقول العربي: “أنا في الأصل تاجر ودخلت الصناعة من باب التجارة الذي أفهم فيه، وفى الثمانينيات طلب مني محافظ القاهرة آنذاك أن أرشح نفسي لمجلس الشعب وألح في الطلب، ولكني رفضت رفضا قاطعاً، ثم طلب مني الـ ـمحافظ التالي، وبعد طول إلحاح منه وافقت ودخلت البرلمان لدورة واحدة، لكنني أرى أن عضوية مجلس الشعب كانت مضيعة للوقت بالنسبة لي، وكان مصنعي ومتجري أولى بي، فللسياسة رجالها وأنا لست منهم”.
وإذا كان العربي قد بدأ تجارته بعامل واحد إلا أنه أصبح اليوم لديه 13 ألف عامل، ويطمح في أن يصل هذا الرقم إلى 20 ألف في 2010م، موضحا أن الشـ ـركة الأم باليابان يعمل بها 180 ألف موظف، ويتمنى أن يصل لهذا الرقم في مصر لمساعدة الشباب والـ ـمساهمة في القضاء على البطالة.
ويؤكد الحاج العربي أن موظفي شـ ـركاته يحصلون على رواتب مجزية تتفاوت حسب الكفاءة والـ ـمؤهل والخبرة، ويرفض تماما أن يعمل في شـ ـركاته أي شخص مدخن، ويشترط ذلك ضمن شـ ـروط التعيين،
وأخيراً يبقى الحاج محمود العربي رمزا من رموز الاقتصاد وتبقى رحلة كفاحه وعصاميته قدوة للأجيال وتأكيدا لقيمة العمل والاجتهاد باعتبارهما الطريق الوحيد لتحقيق النجاح كما تبقى تجسيدا لمقولة “أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة”.
صوت البلد