"نحن في العادة نموت قبل أن نكتشف مواهبنا وقبل أن نتعرف على مميزاتنا
نموت بحسرة أننا أناس عاديون ...
إن أم كلثوم كان من الممكن ألا تكتشف صوتها وكان من الممكن أن تضيع كأي فتاة قروية تسرح في الحقل وتقضي حياتها تربي الدجاج وتطعم البط لولا أن اكتشفها الملحنون واحتضنوا صوتها ...
وكمال الطويل ضاع نصف حياته في محاولة الغناء قبل أن يكتشف أنه ملحن ...
وعبد الحليم حافظ ضاع نصف حياته في محاولة التلحين قبل أن يكتشف أنه مغن ...
من قبل أن يكتشف كل واحد من هؤلاء الثلاثة موهبته كانوا جميعاً مجرد أناس عاديين ولكن الحقيقة أنهم لم يكونوا أبداً عاديين
وإنما كل واحد منهم كان من البداية عنده هذا الشيء الذي ينتظر معجزة الكشف عنه
وكل واحد منّا فيه ذلك الشيء
فيه تلك البئر التي تنتظر الكشف عنها والدقّ عليها لتنبثق في ينبوع من النعمة الإلهية لا ينضب إلا بالموت ...
والسر في أن أغلب الناس عاديون أن اكتشاف الإنسان لنفسه ، وتَعَرُفِهِ على كنوزه ومواهبه ليس شيئاً هيناً وإنما هو اكتشاف أصعب من غزو الفضاء .
وقليلون جداً هم الذين يستطيعون أن يقوموا بهذه الرحلة الشاقة إلى داخل نفوسهم ...
إنها رحلة أصعب من رحلة كولومبس وجاجارين ...
..
من كتاب" يوميات نص الليل "
د مصطفى محمود رحمه الله "