أحد الزملاء الأساتدة يروي أنه منذ مدة كان يقود سيارته حين أوقفته دورية مرورية، بادر العون بطلب أوراق السيارة، يقول الزميل أخذ بتفحص وجهي من وراء عدسات شمسية معتمة... سلمته كل ما طلب من وثائق ليبادرني بلهجة هادئة وحازمة...
-لم تربط الحزام يا أستاذ!
- نعم للأسف...
-هذا يستوجب مخالفة...
عمت لحظات من الصمت... كنت أصارع هاتفا بين ضلوعي يطلب مني الاعتذار وطلب الصفح... لا أعلم كيف استطعت كبحه...
-حسنا حضرة العون، أعترف أني أخطأت وأستحق المخالفة...
بدأ العون بتدوين المخالفة متوجها لي بالحديث... أستاذ تعليم ثانوي.. هل يحصل أحيانا أن تسامح أحد تلاميذك إذا غش في الامتحان؟
-أكون بهذا أميزه عن غيره وأخرق القانون...
ناولني ورقة المخالفة قبل أن يتوجه لي بالحديث ثانية...
-هل يمكن أن تنزل من السيارة؟.. بتردد واستغراب نزلت... ليقوم باحتضاني فجأة... كنت مندهشا مما يحصل...
-أستاذ...أنا تلميذك فلان، درست عندك، أتذكر حين غش ابنك في الامتحان..مع تلميذ آخر؟ حينها منحتنا صفرا وطبقت علينا القانون... كلامك يومها لم ولن أنساه.. "هذه أمانة إما أن أحملها بشرف أو أنسحب... القانون وضع ليطبق على الجميع ولا يستثنى منه أحد.. حتى ابني هذا..."
يومها بكيت ولكن احترمتك وجعلتك مثالا لي... واليوم سيدي أطبق عليك القانون ولا أستثني أحدا كما علمتنا..
لم أستطع كبح دموعي أمام ذلك المشهد وقد تداعت أمام ناظري تفاصيل ذلك اليوم الذي منحت فيه صفرا لفلذة كبدي... كان العون يناضل من أجل أن لا تسيل دموعه حفاظا على هيبة الزي الذي يرتديه... ليبادرني بالحديث
أقسمت عليك سيدي أن تقبل هديتي... هذا مبلغ المخالفة... متعك الله بالصحة وأدامك تاجا فوق رؤوسنا...
حاولت التمنع فألح بشدة وسانده زميله الذي شهد الموقف بتأثر باد...
غادرت المكان وقد سرت بين أضلعي سكينة عجيبة وسعادة غامرة... تلك ثروة المربى التي لا تقدر بثمن!
منقول عن استاذ تعليم ثانوي